البصيرة ترى قبل العين
بقلم الشاعر إبراهيم العمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنتظر كلماتك كل يوم,
مثل الأرض الخرساء التي تنتظر,
في عز الصيف, حبات المطر.
الأرض تؤمن بالسماء,
والسماء تروي الأرض
بدموعها حين يتأخر السحاب,
الأرض لا يقلقها عدم رؤية الغيوم.
كذلك كلماتك, يا حبيبتي, تأتي دائما,
تأتي, لا أدري من أين,
تأتي لأني أؤمن بك,
أؤمن بوجودك,
أصدقك وأصدق وعودك وعهودك,
وأشعر بالنسيم يأتي قبل الكلمات,
والشذا يسبق وصول الوردات,
والإحساس يسبق الترددات,
والإشعاع يصل قبل أن يصل النور,
والبصيرة ترى قبل العين,
والروح ترفرف قبل أن تحط
وقبل أن تسكن
وقبل أن تفيض على سائر محتويات الجسد
الذي يصبح هلاميا شفافا
قبل أن يذوب ويغوص في نشوة وحلم
ويرتعش وينهار
ويغيب مثل وميض البرق
في جوف الغيوم الداكنة
وسط ظلمات الليل
وكوابيس الدجى.
حتى انتظار الكلمات
يشعرني بمتعة كبيرة,
يشعرني بلذة ونغنشة وفرحة,
كأنني أنتظر اكتمال البدر
وافتتاح الزهرة,
كأنني أنتظر خيوط الشمس
وولادة الضوء
ورفع الستار.
حتى الإنتظار,
لأي عبير منك
يجعلني أتوه في الحلم
وأتشعلق بمراجيح الأعياد,
مثل الأطفال في ثياب العيد,
مثل المتشرّد في حذاء جديد.
كلماتك لها نكهة,
ولها رونق وسحر وجمال وجاذبية وتأثير,
لها لون
وفيها صوت وصورة وتعبير,
فيها حركات وتلميحات وايماءات
وتسريبات لمعاني أكبر من معانيها بكثير,
فيها دعوة لإحتفال كبير,
فيها شموع ورومانسية
وعيون ذابلة نعسانة
وبريق على الشفاه
وأذرع مفتوحة
وشوق يائس
وعشق طائش
وقلب خافق
وصدر حنون.
غالبا ما أقرأها قبل أن أذهب الى السرير,
وأقرأها قبل أن أنفض غبار النوم عن عيوني في الصباح.
كلماتك هي كل ما في خاطري
وأنا أعانق وسادتي
والبسمة والفرحة تعانق كل كياني
وتلامس كل شعرة وكل مسام في بشرتي,
أشعر بالكثير من الحب والحنان والدفء
وأستسلم لأحلام جميلة
ليس فيها سوى طيفك
يتفانى في ملاطفتي ومداعبتي وتدليلي
وزرع الأمل في الغد
وفكفكة خيوط القلق والحيرة والخوف عن جبيني.
أنا ابقي كلماتك في خاطري
حتى أطيل في عمر الوهم
وأبقى في حضن الحلم
الى أن ينتهي الليل
وتزغزغ خيوط الفجر.
أعيد قراءة كلماتك,
وبقايا الحلم ما تزال على بدني,
تتغير رؤيتي للأشياء
والقهوة يصبح لها نكهة وطعم ,
ليس مثل نكهة القهوة
ولا مثل طعمة البن,
يصبح لكل شيء لفتة سحر
ولمسة جاذبية
ولفحة عطر
ونغمة موسيقية.
________
إبراهيم العمر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق