مصباح علاء الدين
****************
كنت رجل دين, نعم لما انتم مندهشون ... كنت رجل دين البس ما يميز انني رجل دين , و كنت اقضي معظم وقتي في دار العبادة وكنت برغد الدنيا من الزاهدين.
كنت رجل دين و لي قصة ربما تهمكم, سأرويها لكم , و أظنها ستجيب عن اسئلتكم و تروي عطش دهشتكم و لربما تعيد أعينكم إلى محاجرها. فأطراف القصة هم انا و مارد مصباح علاء الدين و لست ادري من منكم ايضا سيكون طرفا في قصتي هذه.
في يوم تركت مدينتي و خرجت باتجاه صحراء بعيدة سمعت عن اناس فيها لا يعلمون دينا و لم يتصلوا بحضارة قط. و قلت هي فرصتي لكي اسبق إليهم و ارسخ قواعد ديني قبل الجميع.
و بالفعل صارعت كثبان الرمل و اعتليت رؤوسها و رسمت بخطى الواثق طريق عودتي إلى مدينتي. شاركت مغيب الشمس و شروقها كل طريقي و عانقت القمر في خوفي من عواء الذئاب.
حتى وصلت الى ارض الهضاب في أكناف الياسمين, حتى تعطرت انفاسي بعطر الأحياء و تلونت عيناي بلوحة الجمال في كل مجال و اعتلت نفسي شكوك اليقظة احلم هذا ام ضرب من الخيال ام انني فعلا اعيش واقعا فلا محال.
و لكن اين الضائعون في الصحراء عديمو الحضارة و الدين, فان قصورهم من حروف و علم و كوخي في مديني من الخشب و الطين, انهم يلبسون أخلاق لا مثيل لها و عورتي لا يسترها سوى خشية فضائح الغافلين, و يمتطون الرقي و صهيله يراقص الحان العصافير و انا في اقدامي قيود زوبعة تاهت عن درب صلاح الدين, انهم يتحدثون السمو باحتراف و انا تحاصر لغتي كل لغات العالم المتحضرين.
ما السر في رغدهم و تطورهم؟ ايعبدون الها غير الهي ام لهم دين و لي دين؟ هناك سر يجب ان اعرفه, سادخل عليهم و اطلب ودهم و التمس امنهم فلعلي اختلس الوصول إلى سرهم و سبب حسنهم في كل امرهم فلعلي ارجع الى اهلي بنار تدفيء قلوبهم. و فعلا فعلت حتى الى قلب حضارتهم وصلت و بعيني سر فوزهم رأيت او هكذا حينها ظننت.
رأيت مصباح علاء الدين قابع فوق منضدة من قطن محشية ببعض من الحنين و كثير من الاشواق الى حكماء عصر دفنت ذكراهم السنون.
قررت ان استعيره و استوعب تفكيره فلعلي اعرف سر اضوائه المنيره .. فكرت وخططت و بسهولة بالغة جدا نفذت, فهو في المكان العام بلا حراس و بلا اهتمام كأنهم عنه في غفلة نيام. مسحته و حككته حتى تشبثت حرارة جسده براحتي فما استطعت له تركا و كنت في ذيله الكبل, و خرجت اسواط تجلد ذاكرتي و تعتصر ذمتي, خرجت ابخرة عفنة كأنها المرآة تعكس صورة ارفض ان تكون صورتي و خاطبتني افواه الماضي بصوت الحزن تتجسد مخيلتي صارخة بعتاب يا رجل الدين مالك و الحرام انسيت ان السرقة حرام و ان الحقد حرام و ان الكذب حرام و انت لم تكن يوما الا منارة ترشد التائهين في بحر الضياع الى شاطيء التائبين.
قلت مهلك يا هذا و اليك عني فاني لست في نعمة من الله على عباده من الطامعين و انما انا داع الى الحق و الحق راياته ترفرف و الحق واضح مبين, و اني بعد ان اتيت معلما تحولت الى طالب علم , افليس لطالب العلم حق في ان يستبين. اعلم انني سلكت درب غير درب العاقلين فاعذرني و لكنني سأستغفر الله رب العالمين و ربي غور رحيم سيغفر لي.
كل ما ابتغيه هو جواب لسؤالي فهل لك ان تكون لي مجيبا و ان لم تستطع فكن لي معين فانت خادم المصباح و المصباح بيدي و لي عليك الطاعة.
فضحك حكماء التاريخ كلهم مقهقهين ان يا رجل الدين هاتي ما عندك و لك علينا الاجابة تكرما و افادة لا طاعة لامرك ... فقلت حسنا ... ما سر هؤلاء القوم ؟
فعلت الضحكات و عقبها صمت تلته اهات و تنهيدات تقول يا ولدي هم بشر لا يختلفون عن كل البشر ياكلون و يشربون و يطمحون الى كل خير لهم و لغيرهم الخير يحبون و لا يكرهون,
هم علموا ان الله هو الرزاق و عليهم العمل فلم يحسدوا بعضهم او يكيدوا لبعضهم
هم عملو لآخرتهم كأنهم يموتون غدا و عملو لدنياهم كأنهم يعيشون ابدا
هم اجتمعوا و لم يتفرقوا
هم رضوا و لم يطمعوا
هم لم يستعينوا بالحقد على بعضهم
هم لم يسرقوا احلام بعضهم
هم لا يرون في مارد المصباح اي امل و على الله ثم على انفسهم يتكلون.
هم يحترمون كبيرهم و يعطفون على صغيرهم
يكرمون معلمهم و يحسنون الى انفسهم بذلك
هم باختصار هم اناس عرفوا الله و احبوه فاطاعوه و علموا ان خير جليس هو الكتاب و خير الكتب هو كتاب الله.
عد يا ولدي الى اهلك بهذه النجوم و اشعل كل مصابيح العلم في سماء مدينتك
فعدت كما جئت رجل دين و لكن تنير سمائي نجوم الدين
*************
جاد عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق